كرونو

خاص
خاص

وجهة نظر:"أُخُوة المغاربة والجزائريين صامدة رغم كيد الكائدين"

محمد زايد (البطولة)m.zaid@elbotola.com
كنت أكن حقدا مدفونا للجزائرين قبل شهر يونيو الماضي، أحب بعض فرقهم وأساليب تشجيع جماهيرهم منذ الطفولة، أستمتع بطرب الشاب مامي سابقا، غير ذلك، كل ما ينسب للجزائر أكرهه وأمقته لدرجة لا تتصور، دون سبب، حتى أن أي منتخب يلعب مع المنتخب الجزائري تجدني أشجعه دون أي تردد، مكونا عندي قناعة لا يمكن لأي أحد أن يناقشني فيها.


قبل شهر يونيو 2014، جاءتني مكالمة من إدارة المؤسسة، تخبرني فيها أني سأقوم بتغطية مونديال البرازيل رفقة أخي وزميلي يوسف الشافعي، ففرحت لهذا التشريف "التكليف"، و لم أكن أعلم حنها أنها تغطية ستزيدني زادا معرفيا هاما في مسيرتي المهنية و الشخصية.


كنت متخوفا قليلا من ملاقاة المشجعين الجزائرين بأرض البرازيل وقتها، لا لشيء، إلا أنني لا أكن لهم ذاك الحب الصادق، بسبب عدد من الخلفيات التي تكرست في أذهاننا من بعض أفعال هؤلاء، والتي تتبناها و تنشرها عدد من المصادر و الجهات الرسمية بهذا البلد الشقيق.


صحيح كان أول لقاء بالجزائريين بمطار محمد الخامس، إلا أنه كان عاديا، ولم يحمل في طياته أي جديد، حتى وصولنا هنالك، و سفرنا لمدينة أخرى حيث يجري المنتخب الجزائري مباراته الأولى أمام المنتخب البلجيكي، من "ساوباولو "ل"بيلو هوريزونتي"، آنذاك، عشت لأول مرة وكأني وسط وهران، أو عنابة أو الجزائر العاصمة رفقة زميلي، وذلك لكثرة المشجعين الذين رافقوا منتخب بلادهم لأرض "الصامبا".


أول موقف جعلني أتفاجأ قليلا منه مقارنة مع ما ترسب عندي من قناعات، هو وفاء أحد المشجعين الجزائريين بوعده، ورده لنا دين يصل لحوالي 2000 درهم مغربية، مباشرة بعد أن وصل المدينة التي يجري فيها المنتخب الجزائري مباراته، معطيا إيانا المبلغ فور نزولنا من الطائرة، بعد لجوئه لأحد أصدقائه الذي كان ينتظره هناك.


موقف ثانٍ كان بالملعب وقت المواجهة وقبيلها بلحظات، ولأن ملامح وجوهنا متشابهة، الكل كان يعتقد أننا جزائرييْن، و يحاولون التقرب منا، وما إن يكتشفوا أننا مغربييْن، حتى يبادرونا بالعناق، وإلقاء التحية، وأخد الصور التذكارية، وأيضا إيصال الأمانة للشعب المغربي بعبارة توحد فيها أغلبهم تقول: "بلغو سلامنا لخوتنا المراركة" والله يشهد على ما نقول.


بعد نهاية تلك المباراة، كنا نتضور جوعا أنا ورفيقي، وكنا ملزمين بأن نقطع مسافة طويلة جدا مشيا على الأقدام، اتباعا لتعليمات اللجنة التنظيمية للمونديال آنذاك، والتي تحتم على المشجعين قطع مسافات طويلة حتى يصلوا لمركباتهم، فكانت طريقنا فارغة تماما من البشر، إلا من بعض رجال الأمن  الذين شرعوا في الانصراف، لتزامن التوقيت مع مباراة للمنتخب البرازيلي مع نظيره المكسيكي، و لحظة، وجدنا في ذاك الزقاق الطويل العريض، محلا لبيع "البيتزا"، وبدون تردد قصدناه لنقتل جوعا كاد أن يقتلنا، وهناك كانت المفاجأة حقا، حين صادفنا عددا من الجزائرين يتناولون ما جئنا له أيضا، وهم يناقشون أطوار اللقاء ذاك، وفجأة ألقى علينا أحدهم سؤالا:" ياك أخوتي وحيد هو المسؤول، لاه ليما يدخل جابو، حرام والله حرام"، قبل أن نُفاجأهم بكوننا مغاربة، وأننا فعلا كنا نود انتصار المنتخب الجزائري، لكن أخطاء فردية وتقنية من سارت ضد هذه الرغبة، لتتهاطل علينا طلبات المشاركة في الأكل، وأتذكر وقتها أحدهم، كان عاريا الصدر، يلبس سروالا فقط، وبجسده آثار ضربات الآت حادة، قال لنا في حين غفلة:


"مغاربة أ خاوتي، و عليا بليمين حتى نشركو الطعام، ولي تضركم تضرنا و.. و..."
يشهد الله باحساسنا فعلا بأنهم كإخوتنا المغاربة التقايناهم لينسونا قساوة المهجر: "حفاوة استقبال، وقسم بأغلض الأيمان من أغلبهم لنشركهم طعامهم"، بل وتبادلنا رفقتهم عناوين إقاماتنا وأرقام هواتفنا، مؤكدين أن هناك منهم من يريد لهذه العلاقة الأخوية أن تضمحل، ناصحين إيانا بعدم الاكتراث لها، والوقوع في الفخ، وهنا نستحضر موقفا لأحدهم ليلا في نفس اليوم، حين همس في آذاننا قائلا :" ياكما خاصكم دنانير أ خاوتي، لي معانا نقسموه"، والدنانير يقصد بها مالا، قبل أن نعانقه شاكرين له هذه المجاملة، ومؤكدين له أن لا شيء ينقصنا هنا سوى لمّة أخوية كهذه، علما أن لقاءنا بهم كان في مكان، لو أرادوا قتلنا ودفننا هنالك لقاموا بذلك، لشدة خطورته، و سمعته الإجرامية.
ما خطته يدي المتواضعة، سطر من صفحات عشناها هنالك فعلا مع أناس يحب أغلبهم المغرب والمغاربة، ويتبرؤون صادقين ممن يملأ قلوبهم الغل والنفاق والحسد منهم.


تغيرت نظرتي للمواطن الجزائري بصفة عامة، وعرفت باختصار أنه ليس هو ذاك المواطن الذي تنقل لنا صورته بعض المنابر الإعلامية بالشقيقة الجزائر، فعلمت أنه شخص مغربي الطباع والأفضال، بجنسية جزائرية لا أقل ولا أكثر.

عرض المحتوى حسب: