كرونو

العماري .. أول الواقفين يسار الصورة يحمل كرة في يده
العماري .. أول الواقفين يسار الصورة يحمل كرة في يده

نجم من الزمان الجميل...العماري "سبيشل وان" زمانه

أحمد اجديرة (البطولة)

بين 1937 و 2006 مرت 69 سنة كانت شاهدة على نجم كروي ستبقى أجيال كروية متعددة تتذكره بفخر. نظرة واحدة إلى المرحوم سي محمد العماري كانت تكفي لتتأكد من أنه خلق ليكون قائدا من الطراز الأول، ربما ساهم انتمائه إلى القوات المسلحة الملكية فى ترسيخ تلك الصفات القيادية في شخصيته ، لكن المؤكد أنه كان موهوبا و ذو قدرات قل نظيرها أتاحت له النجاح في تدبير مجموعات مختلفة من لاعبي الفرق الكثيرة و المنتخبات التي أشرف على تدريبها . ملامحه المغربية الخالصة جمعت ما بين الأدب و الأخلاق الطيبة، وبين الصرامة والشجاعة ، فى خليط قلما تجده هذه الأيام. كان تواصله الصريح مع الآخرين دليلا على ثقته الكبيرة بنفسه والتي جعلته يتعامل بمنتهى الهدوء والتعقل مع المشاكل كيفما كان نوعها. نتائجه وطريقته في العمل تعطي فكرة عن قيمة الرجل، أعتقد شخصيا أنه من أكثر المدربين المغاربة ذكاء منذ بداية مشاهدتي لمباريات كرة القدم، كان يعرف جيدا ما يريد وما يفعل في كل مقابلة. و إذا كان مورينيو يلقب حاليا بالسبيشل وان أو الرجل الخاص فالعماري رحمه الله كان سبيشل وان زمانه. 


ولد المرحوم سي محمد العماري ببرشيد سنة 1937 و بدأ حياته الكروية لاعبا على مستوى فريق عاصمة أولاد حريز قبل أن ينتقل مع مجموعة من زملائه سنة 1958 إلى فريق الجيش الملكي الحديث التأسيس وذلك بحكم  انتمائه إلى القوات المسلحة الملكية بعد تخرجه من مدرسة الدرك الملكي بمراكش. شكل إلى جانب (مع حفظ الرتب) حسني بنسليمان، بلمجدوب، العربي، صالح، الترغالي، عمار، قاسم، عزوز، مصطفى، المختطف، الزموري، المكي، زناية و العربي و تحت قيادة النجم الودادي الشتوكي الجيل الذهبي الأول للفريق العسكري و الذي سيتمكن من الفوز في أول موسم له بكأس العرش، بعد انتصاره على المولودية الوجدية في المبارة النهائية (1 ـ 0) ، و ببطولة  القسم الوطني الثاني ليضمن صعوده إلى قسم الصفوة. إسناد الإدارة التقنية للفرنسي كي كليزو سيعطي، من خلال الأساليب التدريبية الحديثة التي أتى بها، قيمة مضافة لهذا الجيل الذي سيلتحق به نجوم أخرى منها المايسترو باموس، الحارس الدولي المرحوم علال و عبد لله باخا. حصل محمد العماري بتقنياته و سرعته و أهدافه على مكان أساسي كجناح ضمن الفريق الذي سيفوز لست مرات ببطولة المغرب (61 ـ 62 ـ 63 ـ 64 ـ 67 ـ 68) و الذي سيشارك في كأس محمد الخامس الدولية لدورات عديدة. دورة 1967 ستعرف تأهل الفريق العسكري إلى المبارة النهائية التي عرفت انهزام  أصدقاء محمد العماري أمام النجم الأحمر لبلغراد اليوغسلافي (1 ـ 0). قبل ذلك و بالضبط سنة 1962 سيحصل  العماري صحبة زملائه على المرتبة التانية بكأس العالم العسكرية التي احتلت فيها تركيا المرتبة الأولى. بالموازاة مع هذا التألق على مستوى النادي، حافظ محمد العماري على صفته الدولية لأكثر من 30 مبارة و لمدة ست سنوات (62 ـ 68) سيشارك خلالها في العديد من التظاهرات الدولية كان أهمها إقصائيات كأس إفريقيا 63 بغانا، نهائيات الألعاب الاولمبية 64 بطوكيو و كأس العرب للمنتخبات سنة 65 و الذي أحرزه المنتخب الوطني. في أوج عطائه سيتعرض محمد العماري خلال موسم 68/67 إلى إصابة ستجبره على إعلان اعتزاله مبكرا ليتجه إلى التدريب ويبدأ في تسطير رحلة من الإنجازات التي ستجعل منه أحد أهم المدربين المغاربة في تاريخ كرة القدم الوطنية. مشواره التدريبي بدأه سنة 69 رفقة شبان الجيش الملكي حيث أوكل له كليزو مهمة إعداد الخلف ضمن سياسة التكوين التي اشتهر بها الفريق العسكري آنذاك و يعد النجم العسكري القادم ادريس واديش أهم اكتشفاته خلال ذلك الموسم. الموسم الموالي سينتقل العماري إلى اتحاد تواركة الحديث التأسيس قبل أن يحط الرحال بفريق البريد المحمدي الرباطي. أولى ألقابه كانت مع فارس الشرق المولودية الوجدية سنة 1975 و الذي تمكن خلالها أشبال الرئيس المرحوم مصطفى بلهاشمي من الفوز بلقب البطولة الوطنية الوحيد في خزانة الفريق. بالإضافة إلى تهييء الفرق للمنافسة على الألقاب كما فعل مع النادي القنيطري، الكوكب المراكشي، الرجاء البيضاوي من خلال تجربتين في فترة الثمانينات و القرض الفلاحي، كان لسي محمد اختصاص قيادة مجموعة من الأندية الطموحة إلى النجاح في تحقيق الصعود إلى القسم الوطني الأول كاتحاد تواركة، المولودية الوجدية، ش.المحمدية و د.ح .الجديدي. استقراره بحي ديور جامع بالعاصمة حيث توجد نسبة كبيرة من جمهور الفتح الرباطي و ارتداده على مقهى موريطانيا الشهير دفعه إلى قبول قيادة الفتح هو الذي طالما رفض ذلك خاصة و أن أصدقائه الفتحيين كانوا دائما يتمنون رؤيته على رأس الإدارة التقنية للفريق لمعرفتهم بطريقته في العمل و القيمة المضافة التي يمكن أن يعطيها للفريق و قد كانوا على حق لأن التجربة نجحت لكنها للأسف لم تستمر إلا موسم واحد.


يعد سي محمد العماري أحد أهم الأسباب في بروز الجيل الذهبي لمكسيكو 86 بقيادته أولا الفريق الوطني للفوز بدوري الصين الدولي بداية الثمانينات بعد انتصاره على الجزائر في نصف النهاية و المنتخب اليوغسلافي في النهاية و بتهييئه تانيا للمنتخب الذي سيحرز الميدالية الذهبية لألعاب البحر الأبيض المتوسط 83 بالبيضاء حيث كان له الفضل في إدماج مجموعة من اللاعبين داخل تركيبة الفريق الوطني كان أبرزهم بودربالة و الحداوي الذي أشرف عليه داخل فريق الرجاء. نجاح سي محمد العماري على المستوى الوطني سيقوده إلى تجربتين في الخليج العربي الأولى مع الشارقة الإماراتي حيث ساعده نجم الدفاع العسكري المرحوم خليفة بختي و التانية مع السويق العماني حيث اصطحب معه النجمين العسكريين لغريسي و خيري. كأس العالم العسكرية التي نظمت ببلادنا سنة 1993 كانت حلم بالنسبة لفريقنا الوطني نظرا لقوة المنافسين و أسماء النجوم التي شاركت مع منتخباتها إلا أن سي محمد  العماري رحمه الله تمكن بحنكته ومهارته حسم تذكرة العبور إلى المبارة النهائية التي انهزم فيها الفريق الوطني بعد الأشواط الإضافية (2 ـ 3) أمام المنتخب المصري الذي كان يقوده النجم أحمد الكأس (الفريقان العربيان أقصيا فرنسا و ألمانيا في نصف النهاية).


كان بإمكان سي محمد الاستمرار في عطائه لكنه آثر الانسحاب في صمت لأن معيار الكفاءة و المعرفة أصبح ثانوي في وسطنا الكروي لكنه كتب رغم ذلك من خلال مسيرته الحافلة بـأحرف من ذهب في كتاب تاريخنا الكروي مجموعة من الانجازات على صعيد الاندية والمنتخب ستبقى شاهدة على جهوده  في تطوير الكرة الوطنية و الدفع بها إلى الامام. 

عرض المحتوى حسب: