كرونو

None

الوجه الآخر للملك المتوج، حبيبي وحبيب الملايين “محمد صلاح"

بقلم | محمود ماهر (البطولة)


يُلقبونه بالخَلوق العفوائي صاحب الروح المرحة والوجه البشوش الذي لا يُرهق نفسه بسفاسف الأمور ويشغل باله بالتعبير عن ذاته كشخص وكلاعب موهوب جاء من العدم..هو الرجل الذي أسمى ابنته ببساطة ومن دون تعقيدات على أطهر بقاع الدنيا "مكة" متجاهلاً البحث عن اسم على “الموضة”..وهو الذي يتبرع أيضًا بأمواله يمينًا ويسارًا بكرم وسخاء..


هو الرجل الذي يتجاهل نفسه ويذهب لتبجيل وتفخيم مَن حوله مهما كانت علاقته بهم...هو الوحيد دونًا عن جميع لاعبي المنتخب الذي حرص على التواصل معي بنفسه،رفي محنتي الخاصة على بُعد آلاف الأميال من أرض الوطن للبحث عن حل ما لمشكلة سأحدثكم عنها.. مهما كلفه الأمر ليلة مواجهته لتشيلسي في الدوري الصعب..


حبيبي وحبيبكم وحبيب عشاق الريدز وحبيب ملايين العرب والافارقة، هداف العملاق الإنجليزي الأحمر "ليفربول" والنجم الأول ، وأفضل لاعب محترف في تاريخ مصر وعاجلاً وليس أجلاً في تاريخ العرب "محمد صلاح"..


رغم كل ما وصل إليه من مَجد وشهرة وسطوع في سماء الكرة العالمية منذ تفننه في تعذيب دفاعات تشيلسي بقميص بازل، ولا يزال "هو" كما "هو"، ذلك الشخص البريء الكريم المعطاء بإخلاص، والذي يُجيب بما في قلبه على التساؤلات بحب وصدق دون لف ودوران.


تلقائيته تُرشدك إلى حقيقة دامغة غير قابلة للشك بأن الدنيا “لسه بخير"، ولا زالت -الدنيا- قادرة على منحنا أشخاص من طينته، لم يصبهم غرور الشهرة، أو جنون العظمة، أشخاص يستطيعون إلهامنا بإجتهادهم وتواضعهم وحرصهم على رد هدايا الله في صور مختلفة، وصدقًا تعجز مقالاتنا وتقاريرنا وتحقيقاتنا الصحفية عن رصدها وحصرها، فالظاهر والمُعلن عند أمثال "صلاح" يكون مُجرد فُتات، والباطن دائمًا يكون ذا شأن عظيم..


ما تعلمه هذا الرجل في مركز بسيون بمحافظة الغربية، وفي بيته المتواضع في قرية نجريج، هو أصول الدين وتعاليم القرآن وهي أساس الإنسانية، وأهمها: ألا يَمن على أحد وألا يكسر بخاطر أحد وألا يستخدم ويستغل وَهن وقلة حيلة الضعفاء من أجل شهرة مجد شخصي زائف.


إنه لا يُحب أن يتحدث الناس عن ما يُقدمه، لكن لا بد من ذكر ولو جزء مما يُقدمه لتفنيد شخصية فتى لم يكسر بعد عامه الـ 26، ويُقدم دروسًا في الحياة للكبير قبل الصغير سَتبقى خالدة في القلوب والعقول.


لا مُبالغات معه..



قبل ثلاثة أعوام، سمعت الكثير عن تواضع وكرم وإنسانية صلاح، قرأت أنه واحد مننا، يُعبر عن كل شاب مصري، وبطبيعة الحال صدقت بعض مما كُتب، والبعض الآخر وصفته مثل الكثيرين بـ "المبالغات" أو محاولة دفن شعبية أبو تريكة، حتى جاءت لحظة الحقيقة التي علمت فيها أنها كانت مُجرد ظنون خاطئة متسرعة.


لمست وعشت بنفسي أنه لا مُبالغات مع محمد صلاح، فعندما وقعت في مأزق خسارة كل مُعداتي الصحفية وأوراقي الشخصية عقب نهائي دوري أبطال أفريقيا 2017 بين الوداد و، تصدر هو المشهد قبل أخي ابن أمي وأبي!.


رنّ هاتفي بعد ساعات قليلة من ضياع أغراضي برقم غير معروف، كان صوت المتصل هو نفس صوت ذلك الفتى المقاتل الذي تحدث لوسائل الإعلام عن أهم لحظة في حياته عندما سجيل هدف الصعود إلى مونديال 2018 قبل شهر واحد في ستاد برج العرب بالاسكندرية.



تحدث هو عن القصة، وهو يتكلم ويتكلم، التساؤلات تجول في خاطري... كيف عَلم بالأمر وهو في التدريبات الاستعدادية لمباراة ؟ هل لديه الوقت ليُفكر في مشاكل غيره أو في مشاكل لا تعنيه من قريب أو من بعيد لهذا الحد؟ كيف له أن يقوم بالتواصل مع صحفي ضاعت أوراقه الشخصية ومعدات عمله بمُجرد أن قرأ أو سمع بذلك عبر السوشيال ميديا؟


رغم انشغاله بمواجهة فريقه السابق، ورغم أحزانه على الأرواح التي زُهقت غدرًا في "العريش" آنذاك، إلا أنه لم يتوان عن تقديم يد العون والدعم، كأخ وصديق، في مكالمة هاتفية استمرت لـ 10 دقائق للبحث عن حل للمشكلة التي أثرت به، وهي مشكلة بسيطة فماذا عن المشاكل الأخرى الأصعب كيف يتعامل معها، سأترككم تتخيلوا!..


اللص المجهول وكلمة صنداي تايمز!



شخص بمثل أخلاق هذا الشاب يَسُهل عليه مُسامحة مَن أذاه عند المَقدرة، وقد برهن على ذلك بعد 48 ساعة فقط من تسجيله لهدف فوز مصر على الكونغو برازفيل في الوقت القاتل من مباراة الجولة الخامسة من تصفيات كأس العالم، عندما عَتق لص من فتك الشرطة رغم سرقته لوالده.


ذلك اللص ظلت هويته مجهولة بالنسبة لسكان نجريج ومحافظة الغربية منذ ذلك الحين، نظرًا لحرص صلاح الكبير على "ستره" أمام سكان القرية.


لم يكتف ملك مصر - كما يحلو لعشاق ليفربول تقليبه- بعدم التشهير باللص وإخفاء هويته عن وسائل الإعلام، بل ذهب نحو البحث عن فرصة عمل له كي يكسب قوته ويُكون أسرة بـ "الحلال"، مطالبًا والده بالتنازل عن المحضر الذي حرره في قسم الشرطة ونسيان الحادثة.


وأُفردت من أجل القادم من أكاديمية نادي «» العديد من المقالات التحليليلة لشخصيته الخاصة والفريدة بين أبناء جيله، لدراسة مدى تأثيره في المجتمع المصري والشبان العرب، وفي هذا الصدد قالت صحيفة (صنداي تايمز) أنه نجح فيما لم ينجح فيه أي رجل سياسي من دول الشرق الأوسط، وهو تَجميع الناس حوله.


وأضافت في تقريرها المطول قائلة "مشجعو الكرة في المنطقة العربية يرغبون في مشاهدة صلاح يقدم أداءً قويًا في كل مباراة مهما كان الخصم الذي يواجهه ليفربول، وفي كل مرة يكون هو في الموعد، الأمر الذي يرفع من سقف توقعاتهم وتطلعاتهم، ويُضاعفها".



ولعبت الصحيفة على وتر غاية في الحساسية بتأكيدها على أن صلاح بات يُوحد المصريين بمختلف طبقاتهم واتجهاتهم السياسية بعد سنوات الآراء المتضاربة عقب ثورة يناير 2011، وقالت صنداي تايمز في نهاية حديثها «عندما يُسجل ليونيل ميسي فإنه لا يوحد أمته، وعندما يُسجل كريستيانو رونالدو فإنه لا يفعل ذلك أيضًا، لكن هذا ما يفعله صلاح عندما يُسجل، يَجمع أبناء بلده».


واستخدمت إحدى شركات الاتصالات العالمية تحليل الصحيفة البريطانية الشهيرة، وبَنت عليه قصة حملتها الإعلانية الجديدة والتي كان بطلها “محمد صلاح” الذي ظهر في إعلان مدته تجاوزت الدقيقة، وعقب أيام صار السفير الرسمي للشركة حول العالم، مثلما كان أسطورة إنجلترا ومانشستر يونايتد «ديفيد بيكهام» قبل سنوات سفيرًا لنفس الشركة!.


رمضان وجزر المالديف!



عندما تحدث جمهور في أغانيه عن عدم اهتمام صلاح لا بتسريحة شعره أو بالأوشام أو بالموضة أو بالظهور بساعات من ماركات عالمية باهظة الثمن أو بإنشاء أسطولاً من السيارات الفارهة، كما يفعل زملائه في نفس عمره أو حتى مَن يكبروه سنًا وليس عقلاً، كان ذلك بهدف "التلقيح" على أغلى لاعب في تاريخ مانشستر يونايتد ، الذي يهتم بتسريحات شعره أكثر من اهتمامه بالأداء داخل المستطيل الأخضر.


لكن المظهر والشكل الخارجي لصلاح، لا يُعبر عن حقيقة شخصية صلاح، فهناك نجوم كثر من مصر ومن مناطق قريبة من مسقط رأس صلاح، وينشطون في إنجلترا، لا يهتمون بمظهرهم أو بالساعات والتسريحات، ولا يقدمون في الخفاء ربع ما يقدمه صلاح لأهله ووطنه.



العديد من المواقف أكدت أن صلاح من نوعية الأشخاص الذين يحبون المال من أجل إسعاد ومساعدة الآخرين وليس كي ينعم به وحده، ولنا فيما يفعله خلال الإجازات والعطلات المختلفة دليل واقعي على ذلك، فالشريحة الأكبر من اللاعبين عندما يَحين وقت العطلة، يذهبون إما إلى جزر المالديف أو جزر الكناري أو الولايات المتحدة الأميركية لمتابعة مباريات السلة أو التنس، والتنزه والاستجمام والتفاخر بآخر صيحة وآخر موضة.


أما صلاح، فيحرص على صلة الأرحام خلال الإجازات والأعياد، ويُخصص في كل عطلة تقديم يد العون لمؤسسات خيرية وتوزيع هدايا وجوائز في مسابقات رياضية أو دينية بمحافظته وليس في قريته فحسب.



شهر رمضان عند (لاعب الشهر ثلاث مرات في الدوري الإنجليزي بموسم 2018/2017 لأول مرة في تاريخ المسابقة) لا يقتصر فقط على العبادة وتَدبر كتاب الله عز وجل، فخلاله يَعد موائد الإفطار الجماعي لأهل قريته ويُلبي احتياجات الفقراء، والجميل أن ذلك ليس نتاج سطوع نجمه رفقة روما أو ليفربول بل أنه شيء مُرسخ بداخله ويفعله منذ أول شهور احترافه في سويسرا رفقة بازل عام 2012.


الأهم من إعداد تلك الموائد بالنسبة له، هو مُتابعتها والتواجد فيها لتبادل الأحاديث والصور التذكارية مع الأصدقاء والجيران ومحبيه الذين يفتخرون به، للتأكيد على أن هذا واجبه تجاههم.


معشوق جمهور روما، وابن أكاديمية المقاولون العرب، لا يُفوت فرصة للتبرع لمستشفيات وعيادات مصر، وكان أهمها تطوير مستشفى بسيون ومدها بأحدث المُعدات الطبية الممكنة، وإنشاء غرف إضافية للعناية المركزة مزودة بأجهزة من أجود الأنواع، فأحدث ذلك طفرة هائلة في تحسين الخدمة الطبية في محافظة الغربية، ولهذا لم يكن مستغربًا إعادة تسمية مدرسة بسيون الصناعية لاسمه “مدرسة محمد صلاح"، كأقل واجب تجاه إنسانيته.


"احلم معايا"



في بداية شهر مارس الماضي، تواصل بكل شغف مع مستشفى السرطان الشهيرة 57357 لتزويدها بجهاز زراعة النخاع العظمي الذي تصل تكلفته إلى 12 مليون جنيه، والتكفل بنفقات عملية زرع نخاع العظام لطفل يُدعى “عبد الرحمن محمود”.


صلاح أخبر كل طفل من أطفال مصر والوطن العربي بعد تتويجه بلقب أفضل لاعب في أفريقيا 2017 بألا يتوقفوا عن الإيمان في أحلامهم وطموحاتهم، والعمل على تحقيقها مهما كانت الصعوبات.


ولهذا ورغم انشغاله في المنافسة على احتلال المركز الثالث في الدوري الإنجليزي الممتاز وبالمباريات الصعبة لليفربول في دوري أبطال أوروبا، إلا أنه حرص على التحدث مع الطفل بنفسه لتشجيعه على مواجهة صعوبات المرض وتحديه والتغلب عليه، قبل أن يعده بزيارة خاصة في أقرب فرصة.


للحكاية بقية في بلاد القياصرة..



صلاح، الإنسان الصادق في تعبيراته ولقاءاته صاحب الأصل الطيب في تعاملاته مع الغير، أصبح ملكًا متوجًا في بلاد كانت تعتبر اللاعب المصري المحترف "أسطورة خيالية"، من السذاجة تصديقها، فلا يُمكن أن تتحقق أو تتجسد على أرض الواقع.


أسطورة اللاعب المصري المحترف ربما تُحبها وتستمتع بتفاصيل راويها في المقاهي أو الحانات، أو كما في فيلم يوسف الشريف، لكنك لا تستطيع تصديقها فهي أشبه بالخيال..مع صلاح كل شيء تغير، وأضحى من حق الشعب المصري الذهاب بعيدًا بأحلامهم في عالم كرة القدم بعد كل ما حققه، أولاً بانتقاله بأكثر من 35 مليون إسترليني إلى ليفربول، وثانيًا بتصدره للائحة أصعب دوري «تنافسي» حول العالم مثل الدوري الإنجليزي على حساب لاعبين تصل أسعارهم إلى مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية، وثالثًا لتتويجه بلقب أفضل لاعب أفريقي، ورابعًا ترشحه إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ اللاعبين المصريين، وقبل كل هذا قيادته لمصر إلى مونديال روسيا 2018 لأول مرة منذ 28 عامًا..


صلاح دفعنا لانتظاره بين الثنائي «ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو» يوم حفل الفيفا لأفضل لاعب في العالم. صلاح دفعنا للسؤال: لماذا لا تلعب مصر في مَرحلة مُتقدمة من كأس العالم؟ صلاح جعلنا نؤمن بأنه سيحجز لنفسه مكانًا أساسيًا في تشكيلة ريال مدريد أو برشلونة في القرب العاجل، لأن قوس طموحه لا ينغلق ويُبقيه مفتوحًا على مصراعيه، مهما أنجز وحقق خلال مسيرته.


"مومو" تفوق على الأغلى سعرًا منه أمثال "سترلينج ولوكاكو وموراتا وأجويرو وهاري كين وألكساندر لاكازيت وأليكسيس سانشيز وأنتوني مارسيال" فضلاً عن هزيمتهم جميعًا في صراع التمريرات الحاسمة، وسجل هدفًا مارادونيًا أمام توتنهام، ودشن أول «سوبر هاتريك» في مسيرته أمام واتفورد، من بينهم هدف على طريقة ميسي أمام بايرن ميونخ (نصف نهائي دوري الأبطال 2015)، وصار أول لاعب في تاريخ البريميرليج يتمكن من التتويج بلقب "لاعب الشهر" ثلاث مرات في نفس الموسم.



وتغلب على الأكثر تجربة وخبرة منه في الطريق نحو نصف نهائي دوري أبطال أوروبا مثل نجم بورتو "ياسين براهيمي" في ثمن النهائي، ونجوم مانشستر سيتي "سيرخيو أجويرو ودافيد سيلفا وكومباني" في ربع النهائي، ليقود ليفربول بتسعة أهداف سجلهم منذ افتتاح الدور التأهيلي أمام هوفنهايم إلى أول نصف نهائي للفريق منذ عقد كامل من الزمن (موسم 2008/2007).



وبين الإنجازين .. تفوق "أبو صلاح" على النجوم السوداء "غانا" وكان في ظرف سنة ميلادية (أكتوبر 2016 - أكتوبر 2017) كلمة السر التي فتحت الأبواب الموصدة أمام مصر نحو تأهل تاريخي لن يُنسى إلى نهائيات كأس العالم .. ولقصة "محبوب الملايين" بقية في بلاد القياصرة "إكيتنبرج وبطرسبيرج وفولجوراد”..



عرض المحتوى حسب: