كرونو

None

الكرة والمونديال لا يأبهان بالطبقية .. فلا تغدقوا على الأغنياء وتحرموا البسطاء

أمن الممكن أن تصير كرة القدم فئوية؟ وتصبح الوطنية حصراً على شخص دون آخر؟ وأن تتيح فرصة مشاهدتها فقط على منهم على مقربة من صاحب القرار، ومن لهم سلطة تمتيع هذا وحرمان ذاك، دون مراعاة للمنطق ومعايير المساواة وتكافؤ الفرص؟


ليس الحديث هنا عن الاحتكار الذي صار متحكما في النقل التلفزيوني للعبةٍ تهيم في حبها كافة الطبقات الاجتماعية، وإعمال مبدأ الدفع مقابل المتابعة، رغم أن المستديرة ارتبطت في مهدها بالطبقات الهشة والمحدودة اليد، فهذا موضوع آخر يحضر فيه الجانب الاقتصادي بالدرجة الأولى.


حمِلت مشاركة في نهائيات ظاهِرةً سُريالية ومُدانة، حين استفادت بعض الفئات من رحلات مجانية إلى الديار الروسية، في الوقت الذي اكتفى فيه المواطنون البسطاء بالحملقة في صورها وفيديوهاتها وهي تتناول أرفع طعام، وتمكث في أفخم الفنادق، وتتفرج من منصات الـ "vip" النخبوية.


ما إن اقترب العرس العالمي، حتى بدا الكثيرون وهم يهرعون للالتفاف على هذا الحدث، بمسوغ الوطنية ومناصرة "أسود الأطلس"، حتى يرممون سمعتهم الملطخة، ويرفعون من شعبيتهم المتآكلة. هم فنانون وبرلمانيون و"فاعلون" آخرون لا يعوزهم المال، لكنهم يفتقدون للحس المشترك، ويحترفون النشل من المال العام.


بدل أن يتم التكفل بالجماهير التي اعتادت أن تهز أركان الملاعب بشغفها البالغ، وتشجيعها الهادر، فقد جرى دعوة فئات لم تطأ أقدامها المدرجات، حتى تلتقط "السيلفيات"، وتمارس الدعاية الإعلامية لنفسها في المقام الأول.


لا بأس في أن يمول هؤلاء سفرهم بأنفسهم نحو بلاد الدببة، أو أن تؤمن الجامعة الوصية والقطاع المعني رحلات للاعبين قدامى تجسيدا لمبدأ الاعتراف، لكن توزيع الدعوات والتكرم بها استنادا على "المحسوبية" و"الزبونية" يبعث قطعاً على الاستنكار والشجب.


كرة القدم متنفسٌّ لمن ضاقت به السبل، وأنهكته ظروف العيش، فلا تجعلوها أداة تكرس التمايزات بين الفئات. كم كان من الأجدى إهداء هذه الرحلات والبطاقات إلى من يحلم بتذوق أجواء المونديال، لكن أحواله المادية لا تُسعفه، وتحتم عليه مشاهدة المباريات من شاشة التلفاز، أو بالكاد الاستماع إلى وصفها بالمذياع، إذا كان لا يمتلك بضعة دراهم لارتياد المقهى.


إنكم تعدمون آخر مصدر لسعادة البسطاء، وتضفون المفاضلة على لعبة بريئة منها، وهي التي تأسست على الترويح عن النفس، ونفض جرعات الغبن والضجر عن النفوس.

عرض المحتوى حسب: