كرونو

سفيان بوفال
سفيان بوفال

تقرير خاص | لماذا سَيَنْجَحُ بوفال في الدوري الإسباني؟

أيوب رفيق (البطولة)

النَّجاح لا يتوقَّفُ فقط على ما تَحوزُه من قُدرات وإمكانيات، مهما كنت ذَا موهبةٍ فذَّةٍ، ودهاءٍ ساحر، فأنت منذورٌ لمنظومة شاملة، عليكَ أن تَجِدَ لنفسك فيها مكاناً شاغراً، لتكون بمثابةٍ قِطْعةٍ تسدُّ ثغرتها، لا فائضاً مُنعدِمَ الإضافة. هذه قاعدةٌ تنطبق على كافة الجوانب، ويُمكن إسقاطها على جميع الميادين.


في كرة القدم، نَسْبحُ كثيراً ضد هذا الطَّرح، ونُعْمِلُ المنطق الحِسابي في توقعاتنا لفَلاَحِ هذا اللاعب مع ذاك الفريق أو إخفاقه. إنْ لم تَكُن أنتَ، فلك صديق أو قريب، جَزَمَ بأن سيُزلزلُ الكرة الإسبانية ويُحلِّق ب إلى الأعالي بمُمْكِناتِهِ الفنّية ، وبأن البرازيلي دينيلسون سيُحدث ثورةً في نتائج بمهاراته الفائقة، حينما انْضمَّ إلى الفريق الإسباني بأكثر من 30 مليون يورو، سنة 1998.



لكن الأمرَ لا يُقاسُ هكذا، بل يرتبط بمدى انْسجام نمط أداء الفريق مع مؤهلات اللاعب، ونِقاطِ تقاطُعِهِما، وإلاَّ كان ينسج في إنجلتراً عروضاً مُذهلة مثل تلك التي صنعها في مع ليل. لنغوص أكثر في هذا النموذج الخاص بالدولي المغربي، ولمَ يتمتَّع بحظوظ أكبر لنَفْضِ غُبار فشله في ، وتقمّص النجومية رفقة فريقه الجديد سيلتا فيغو.


نكسة ساوثهامبتون

كان اليقينُ راسِخاً لدى الكثيرين بأن المغربي سيزيدُ ألقاً، وتوهُّجاً، لمَّا ينضم إلى نادي "القديسين" بالدوري الإنجليزي الممتاز. فكل من شاهد مستويات اللاعب في "الليغ1" رفع تلقائياً من سقف انتظاراته بشأن بوفال، مُعتقداً أن انتقاله سيُفسحُ له مجالاً أكبر للإبداع وإثبات الذات.


ساوثهامبتون كان من أبرز المُتشبِّعين بهذه الفكرة، وامْتلكَ الجسارة لدفع 24 مليون يورو في سبيل انتداب نجم ليل، في أغلى صفقة أبرمها إلى حدود 2016. ورغم إصابة اللاعب التي كانت تتطلب تأخره عن بداية الموسم بحوالي شهر، إلا أن النادي الإنجليزي ابْتلَعَ ذلك، ووعد نفسه بأن المغربي سيعوض هذا الغياب بمردود مميز حينما يعود للملاعب.



فماذا جرى حين انخرط بوفال في أجواء التباري مع فريقه؟ لقد وجد نفسه طيلة موسميْن غير مُتسِّقٍ ومُتناغم مع احتياجات وأسلوب الفريق. صاحب الـ24 سنة وضعه القدَرُ في مجموعةٍ تعتمدٍ تحفظاً هجومياً، وتُقيِّده بالعديد من المهام الدفاعية، حتى أنها تخرج من أغلب المباريات خاسرةً على مستوى نسبة الاستحواذ واحتكار الكرة.


وبعيداً عن النادي، اصطدم المغربي بنسقٍ مُختلف ومغاير داخل الكرة الإنجليزية، هذه الأخيرة التي تتكئ على الاندفاع البدني الشديد والحاد، وهو ما يجعل اللاعبين المهاريين غير ذا فائدةٍ، إنْ هُم لم يطوروا من بنيتهم الجسدية، ويرفعوا من منسوب جاهزيتهم البدنية، وقُدرتهم على التحمُّل أمام التَّحرُّشات الدفاعية للخصوم والمُنافسين.



لِنتَّفق، إذن، على أن الإخفاق الذي تكبَّدهُ بوفال مع ساوثهامبتون يرتبط بأسباب يُسأل عنها اللاعب، وأخرى متعلقة، كما قُلنا، بطبيعة الدوري الإنجليزي وكذلك الصيغة التي يؤدِّي بها فريقه السابق، لكن في جميع الأحوال، اللَّومُ لن يُلقى إلا على الجناح الأيسر، لأنه في المجمل لم يستطع تكييف نفسه مع بيئته ومحيطه في ملعب "سانت ماري".


إسبانيا تفتح أحضانها لبوفال

آلت مسيرة لاعب الفرنسي سابقاً في "البريمييرليغ" إلى الفشل، ليختار تغيير الأجواء، والبحث عن آفاق جديدة أرحب، رأى أنها ستكون في الدوري الإسباني، مما ساهم في التحاقه بسليتا فيغو، في الميركاتو الصيفي الجاري، لموسم واحد على سبيل الإعارة، مع إمكانية شراء عقده بـ15 مليون يورو.


"الدوري الإسباني أكثر ملائمة مع إمكانياتي، إنه يتميز بنزعة فنية وتقنية أكبر، أحب الكرة السعيدة والمفتوحة"، هذه الكلمات التي قالها بوفال إلى وسائل الإعلام، خلال تقديمه كلاعب جديد لسيلتا، تُبرز الحافز الأكبر الذي حَمَلَهُ على خوض تحدي الدفاع عن ألوان الفريق الإسباني، وغِمار الممارسة في "الليغا".



ليس هناك خِلاف كبير على أن الدوري الإسباني هو الوِجهة المُحبَّبة للأسماء المهارية، المُعتمدة على السرعة والمراوغة والرَّشاقة الفنية، ذلك أنه لا يستند كثيراً على الجانب البدني، بخلاف الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي يظل من مقوماته الجاهزية البدنية والقابلية للتضحية الدفاعية في سبيل الفريق.


بوفال ليس هو أول من يذكر بأن مسابقة "الليغا" تُتيح هوامش فنية أكبر، بل هناك أسماء ونجوم أخرى حاولت إبراز الفارق بين الدوريييْن الإسباني والإنجليزي. ويقول البرتغالي ، في هذا الصدَّد، في تصريح أدلى به سابقا: "في إسبانيا، تجد الكثير من اللاعبين ذوي المؤهلات الفنية، وجميع الأندية تُريد اللعب وتقديم الكرة".


ويُردف: "لكن في إنجلترا، ليس لديك لاعبين فنيين، وإنما الكرة هناك تعتمد على السرعة والقوة بصورة أكبر، أعتقد أنهم جادون للغاية عندما يقومون بالتدخلات الدفاعية لاستخلاص الكرة"، بينما يلتقط منه ، لاعب برشلونة السابق وإيفرتون الحالي خيْطَ الحديث ليقول: "البريمييرليغ له صبغة تكتيكية أكثر على الليغا، وفيه اندفاع أكبر كذلك".


سيلتا فيغو .. الملاذُ المثالي للمغربي

يعتمد سيلتا فيغو بقيادة مدربه المكسيكي – الأرجنتيني، أنطونيو محمد، رسما تكتيكياً يتمثل في (3-3-4)، ويتَّسِم بقابلية للهجوم وصِناعة اللعب، حيث تصل نسبة استحواذه العامة على الكرة إلى 54 في المئة، ويبني تنشيطه الهجومي كثيراً على اللعب المفتوح الذي أثمر له 42 هدفاً، في الموسم الفارط.



ويتَّخِذُ الفريق السماوي من الرواقيْن الأيسر والأيمن المنفذ الأساسي لهجماته، أي أنه يُفضِّل الأطراف كثيرا على العمق، وذلك بواقع 35 في المئة للجهة اليسرى و38 للجهة اليمنى، مُقابل 25 في المئة فقط من الهجمات تمر من عمق الثلث الهجومي.



هذه الصِّفات التكتيكية التي يتحلَّى بها الفريق الإسباني تأتي مُناسبة وملائمة لما يمتاز به بوفال من مؤهلات، وتجعل كذلك من اللاعب يكتسي أهمية بالغة في المنظومة الفنية للمدرب البالغ من العمر 48 سنة، إذ ستُناط إليه مهام تدخل في صلب وصميم ما يُجيده ويُتقنه على المستطيل الأخضر.


من المُنتظر أن يتم توظيف بوفال كجناح أيسر، وستُسند إليه مهمة الانسلال من الرواق بفضل سرعته، والاختراق بالنظر إلى قدرته الفائقة على المراوغة، في الوقت الذي سيجد فيه ضغطاً أقل في الواجبات الدفاعية مقارنةً مع ساوثهامبتون، بحضور ثلاثة لاعبي وسط في سيلتا يُغطَّون الفراغات في الحالة الدفاعية.



ثم علاوة على الامتيازات الفنية والتكتيكية التي سيحظى بها "أسد الأطلس" في سيلتا فيغو، لن يشعر اللاعب كذلك بثقلٍ كبير من الضغوطات، قياساً إلى ما عاشه في إنجلترا. هناك كان الصفقة الأغلى في الفريق، والانتظارات كانت مرتفعة للغاية، أما في بلاد "الفلامنغو"، فهو إسمٌ يأتي من الظِّلّ، ولن يكون هناك ضغط عليه.


المغربي يبدو أمام تجربة احترافية تَشي بالنجاح، وتُفصح عن الكثير من الأسباب والعوامل التي تجعل المرء مُتفائلاً بها. بوفال لاعب ذو موهبة وقدرات فنية جديرة بالإشادة، ينبغي عليه فقط ترجمتها، وإبرازها على المستطيل الأخضر، وسيجد، على الأرجح، المناخ الملائم في سيلتا فيغو للاضطلاع بهذه المهمة.

___________________________________________

للتواصل مع الكاتب: a.rafik@elbotola.com

لمتابعة الكاتب على تويتر: أيوب رفيق 

عرض المحتوى حسب: