كرونو

حكيم زياش ووالدته
حكيم زياش ووالدته

"بورتريه" | زياش .. من التخبُّط في الإدمان وتجرُّع مرارة فقُدان الأب إلى النجومية والشّهرة و"العالمية"

ينطوي المَسَارُ الشَّخصي للمغربي على فصولٍ من المُعاناةِ، وتقف خلف لاعب الحالي حِكاياتٌ ملؤها التخبُّط والمكابدة في مرحلة الطفولة. فمِنَ الضَّياع في متاهات الإدمان والفَقْدِ الأسري الذي التهب بناره صاحب الـ26 سنة، إلى التدرُّج في سلم النجومية وحصد الشُّهرة وتشييد مشوارٍ كروي عُنوانه التميز والإبهار.





يَجُرُّ النجم المُنضم إلى انطلاقاً من الصيف القادم طفولةً تَرزح تحت وطأة الخيبات، ومُحاصرةً بالانتكاسات، بدءاً من فقدان والده المتوفي وهو في سن العاشرة، ووصولاً إلى إدمانه الكحول والمخدرات، إلى أن امتدت إليه "يدُ القدر" متمثِّلةً في الدولي المغربي السابق، عزيز دوفيقار، الذي أعانه على قلب الطاولة على مصاعب الحياة وتحويلها إلى أرضيةٍ بعثت روحه من جديد ونفثت فيها "الإيجابية" والتفاؤل.


"لقد ساعدته بكل ما أستطيع للخروج من النفق المُظلم، كُنت مستشاره وأباه الروحي ومدربه. بعد وفاة والده، حكيم حاد كلياً عن المسار الصحيح، كان يُعاقر الخمر ويدخن ويستعمل كذلك المخدرات"، يقول دوفيقار، الذي بعث في زياش جُرعات الثِّقة وزوَّده بأسلحةٌ كانت لها الكلمة الفاصلة في تطويعِ ظروفه الصعبة والإجهاز على القَهْر والإكراهات التي كان يواجهها.


وفاة الأب .. رجَّةٌ في مسيرة زياش


في سن العاشرة، شاء القدر أن يتجرَّع زياش مرارة الفَقْدِ وهو يشهد على وفاة والده الذي كان يُشكِّل بالنسبة له رمزاً للكِفاح والتفاني، تاركاً إياه بذلك أمام "المجهول" رفقة أسرته. ويتحدث الدولي المغربي في هذا الصَّدد بالقول: "والدي كان يرقد في غرفة المعيشة داخل منزلنا وهو يشكو المرض، وحينما كنت نائماً في غرفتي أنهضني صراخ أسرتي في الثالثة صباحاً، وهم يبكون موته".


"هرعت وسارعت إلى غرفة المعيشة، لأرى والدي مُمدّداً كجثة هامدة بلا روح. لم أعد أذهب إلى المدرسة بعد ذلك نهائياً، حتى كرة القدم لم تعد تعني لي أي شيء، لقد كنت منتهياً بصورة كلية"، يُضيف اللاعب الذي رأى النور بمدينة درونتن الهولندية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 40 ألف نسمة.


حظي صاحب القدم اليُسرى "الساحرة" بمؤازرة الدولي السابق عزيز دوفيقار، الذي أنهضه من كبواته وجعله يُقْبِلُ على الحياة من جديد، حيث أعاد إليه الثِّقة وقذف به في معترك عالم كرة القدم مُتسلِّحاً بالإيمان بالذات، بالإشراف على تدريبه فردياً وإتاحة الفرصة له للمشاركة في مجموعة من الدوريات المصغرة.





ويسرد دوفيقار في تصريح نقلته مجلة "ذا صن" البريطانية كيف احتضن الطفل الذي كان يبلغ أنذاك عشر سنوات وأنقذه من الضياع، بالقول: "أشركته في عدة مسابقات ورأيته بعد ذلك ينمو ويتطور، ومع القليل من الحظ، نجح الأمر، وأنا أرى حكيم يتغيَّر تماماً"، وهو ما أهدى لزياش فرصة الانضمام إلى مدرسة في سن الـ14.


وظلَّ حكيم في كَنَفِ أكاديمية هيرينفين إلى غاية الـ19 من عمره، ثم التحق بخمسة ملايين يورو بنادي الذي كان بالنسبة له بمثابة المسرح الذي أطلق فيه اللاعب العِنان لإمكانياته وقدراته، إذ دشَّن هناك مساره الاحترافي في ""، إلى أن جذب أنظار أياكس أمستردام الذي ضمَّه صيف 2016 بحوالي 11.5 مليون يورو، كثاني أغلى صفقة في تاريخه.


والدته .. أيقونة الحياة ومصدرُ تشجيعٍ وحافزٍ


مع تعاقب السنوات، ووصوله إلى جادة النجومية، ظلَّ زياش حريصاً على استحضار التضحيات الجِسام التي قدَّمتها وأسدتها والدته له ولإخوانه، بعدما فقدوا الأب في سن مبكرة، لتضطلع بمسؤوليات ربّ الأسرة، وتشرع في محاربة نوائب الدَّهر وتحدياته، في ظرفٍ زمني وسياق حتَّم عليها الخروج للاشتغال بغية تأمين قوت يوم أبنائها.





الدولي المغربي الذي انتقل لصفوف "البلوز" بحوالي 44 مليون يورو (تشمل المتغيرات والحوافز) لا يتوانى عن التحدث عن ذلك بفخرٍ بادٍ واعتزاز ظاهر، ويقول: " والدتي قامت بعمل جبار ورائع للغاية، لقد وجدت نفسها فجأة بمفردها إلى جانب تسعة أبناء، لقد أتيت من أسرة عريضة، لي أربع شقيقات أكبر مني وكذلك أربع أشقاء، اهتموا بي بشدة، خاصة أشقائي. وحينما بلغت 14 سنة، خرجت من المنزل لأنضم إلى هيرينفين".





"والدتي لا تقول لي إنها فخورة بي، لكنني أشعر بذلك، إنها تأتي لمشاهدة مبارياتي في الملعب، رغم أنها بلغت السبعين ولم تصبح تقف كثيراً، إنها تجد صعوبة في مجاراة الضغوطات المرتبطة بي، حتى لو شاهدت مقابلاتي من شاشة التلفاز"، يُردف زياش عن أمه التي شكَّلت له ولازالت سنداً وحُضناً يستمد منه دافعاً للتألق والمضي قدماً سواء كلاعب أو كشخصٍ.


ويحرص لاعب على اصطحاب والدته في كل المناسبات التي يحضر فيها، كما حدث لدى تسلمه لجائزة أفضل لاعب في "الدوري الهولندي الممتاز" من طرف صحيفة "فوتبول بريمور"، وقد شدَّد حينئد على الدور الذي تلعبه أمه في التقدم إلى الأمام، بقوله: "أمي، هذه الجائزة لك أنت، إنك أنتِ من تمنحيني القوة".


شخصية قوية .. وصِفات "صعبة المراس"


بعد كل ما خَبِرهُ زياش في حياته من أحداثٍ مأساوية، تشرَّب اللاعب القوة وأخذت شخصيته تكتسب الكثير من الصُّمود والصلابة. ولا يخفي المغربي ذلك. يقول مدربه سابقاً في تفينتي، ريني هاكي: " لم يكن حكيم شخصا سهلا في تلك الفترة، سواء مع المدربين، أو مع اللاعبين، أو حتى مع نفسه. إنه لاعب يطلب الشيء الكثير، وهذه ميزة جيدة".





وإزاء بعض الانبطاعات السِّلبية التي تُخلِّفها سِماته الشخصية داخل أرضية الملعب وكذلك خارجه، في ظل إصراره على الوضوح وعدم التواري خلف الأقنعة، يتحدث زياش عن ذلك قائلاً: "إنهم لا يعرفون زياش الحقيقي، لذلك أجد أن أحكامهم شبه الدائمة غريبة"، مُردفاً: "لا يعرفون شخصيتي، أشعر أنهم يرون فقط الجانب السيء أو الجانب الذي يودون رؤيته".


ورغم أن ما يتبنَّاه المغربي من قناعات في علاقاته مع الآخرين، ومُساهمة ذلك في توتر صِلَتِهِ بمجموعة من الفاعلين داخل عالم كرة القدم، من قبيل جماهير أياكس أمستردام والمدرب الفرنسي، ، في مرحلة سابقة، إلا أن ذو الـ26 سنة يستأثر بتقدير الكثير من المغاربة واحترامهم، نظير ما يحوزه من إمكانيات كروية وكذلك نتيجة لما عاشه في حياته.


لمتابعة الكاتب على موقع "فايسبوك":



عرض المحتوى حسب: