كرونو

رياض محرز
رياض محرز

محرز .. نجم داس العقبات وخالف التكهنات

أيوب رفيق ( البطولة )

من دروب الضاحية الباريسية سارسيل، انطلق مُتأبطا حلمه في احتراف الكرة وبلوغ النجومية. سلاحه عزيمة حديدية تأبى الرضوخ وترفض الإستسلام، "لم يكف عن الإيمان بذاته وظل مُفعما بثقة هائلة في النفس"، يقول محمد كوليبالي، المدير الرياضي لنادي سارسيل، حيث دشَّن ، النجم الجزائري رحلته في عالم المستديرة وباشر مغامرته في رحاب اللعبة الأكثر شعبية في المعمور.

 

قبل أن يشرع في شق طريقه نحو القمة، حاصرته عبارات الإرتياب من كل حدب وصوب، بيد أنه سرعان ما حوَّلها إلى وقود اندفع به لاختراق دائرة الأضواء، "لقد قالوا لي إنك نحيف، والجميع سينتزع منك الكرة، كنت مهاريا مُقابل ضعف بنيتي الجسدية، لكنني عملت بجد وتفانٍ ومثابرة"، يستحضر اللاعب المُنحدر من أب جزائري وأم مغربية فصلا من فصول مسيرته الكروية.

 

بتصميم شديد لا يقبل أنصاف الحلول، صنع لنفسه إسما انحنى له الخصوم قبل العشاق في احترام، ونسج له حكاية سكنت فصولها وجدان المُعجبين وألهمت الشغوفين، ذلك أنها تُبرز تفوقا منقطع النظير في معركة عنوانها الكفاح والصمود والتحدي.

 

حقبة سارسيل .. معاناة وتهميش وإقصاء

على بعد بضع كيلومترات من ملعب "ستاد دو فرانس"، ينتصب المنزل الذي آوى محرز، في أحد الأحياء التي كان يعيش أطفالها على وقع التعلق بالمستديرة، لتسري من هناك جرعات ولع وعشق الكرة في أوصال الجزائري المزداد سنة 1991.

صاحب القدم اليسرى الساحرة، التحق سنة 2004 بالفئات الصغرى للفريق المحلي لسارسيل، مُعتبرا إياه ملاذه لتفجير الإمكانيات التي يختزنها، قبل أن تتسع طموحاته مع تعاقب السنوات ليستهدف الصعود للفريق الأول والإنضمام إلى إحدى الأكاديميات، غير أنه قوبل بالإقصاء والتهميش من الكشافة الذين كانوا يتخذون من سارسيل منبعا للمواهب.

 

"هنا، لم يكن أحد يتكهن ببلوغه القمة، حينما كان يأتي الكشافة، لا أحد منهم انتبه لمحرز، بل كان زملائه ينضمون إلى الأكاديمية وظل هو يبارح مكانه"، يتحدث بوبكر كوليبالي، أمين مال فريق سارسيل، الذي أنجب أبطالا في مجموعة من الرياضات، على غرار الكرة والريكبي.

 

وفاة والده .. الرجة النفسية ونقطة الإنطلاق

في سنة 2006، انقاد والد محرز لسكتة قلبية، توفي على إثرها عن عمر 54 سنة. زوَّدت هذه الحادثة رغم تراجيديتها رياض بشحنة ضاعفت إرادته في الوقوف على بساط الشهرة، حتى يحقق أماني والده التي راودته قيد حياته.

 

فقد كان أحمد محرز السند الأول لنجم في مرحلة المراهقة، "والدي كان دوما خلفي، لقد أرادني أن أصير لاعبا مُحترفا، دأب على حضور جميع مبارياتي لشحذ همتي وتعضيد عزيمتي"، يقول اللاعب الجزائري، قبل أن يستطرد قائلا: "سبق له الممارسة في صفوف عدة أندية جزائرية وفرنسية صغرى، لذلك كان يُدرك ما يصدره من تعليمات وتوجيهات، مما جعلتي مُنصتا ومرهفا السمع لما يقول".

مُقابل مفارقة والده للحياة، حظي الجزائري بعناية واهتمام والدته المغربية، "كانت أمي دوما تعود من العمل وتقوم بكل شيء، حتى لا نشكو أي خصاص في التغذية"، يورد محرز أحد المشاهد التي حملته على التشبث بمبتغاه من أجل توفير كل سبل الحياة الرغدة لوالدته.

 

ناديا كيمبيه ولوهافر .. حيث بدأ يتلمس طريق النجاح

في سنة 2009، لم يتوانَ عن الإتصال بوالدته، كي يشكو لها فشل عملية انتقاله إلى نادي كيمبيه، لعدم توفر هذا الأخير على سيولة مالية كافية لإتمام الصفقة، تحدث إليها بصوت مُتهدج تخنقه الدموع المُنهمرة من عينيْه.

 

بعدما شاهد رئيس نادي كيمبيه ذاك الموقف المؤثر، أصرَّ على إغلاق الصفقة وانتداب رياض مهما كلفته هذه الخطوة من تضحيات مالية، "وقَّع له عقدا بعد 24 ساعة من ذلك الموقف، ربما لم يكن ليحصل على تلك الفرصة لو لم يُبدِ ردته الفعل تلك"، يوضح كريستوف مارشاند، صحفي فرنسي رياضي.

في ظل ما قدَّمه من أوراق اعتماد في فريق كيمبيه، تلقَّفه رادار نادي الذي ضمه إلى صفوف فريقه الثاني، فهناك بدأ الجزائري يحتك بالمستوى العالي، حتى التحق بالفريق الأول سنة 2011، ليصير واحدا من أبرز الأسماء داخل النادي الفرنسي.

 

"لو انضم إلى إحدى الأكاديميات مبكرا، لما صار على ما هو عليه، إن هذه الفضاءات تقتل في الشباب حس الموهبة وتُقيدهم، ورياض كان يحب الحرية في الملعب"، يتحدث بوبكار كوليبالي، قبل أن يلتقط شقيقه محمد خيط الحديث ليقول: "لقد عوَّض ذلك بمجهوداته الجبارة، كان يواصل التدريب حتى بعد نهاية الحصص، إن الكرة هي حياته".

 

جني الثمار واعتلاء القمة

أحرز الجزائري خطوة  إلى الأمام في مشواره الكروي، بتوقيعه في كشوفات ليستر سيتي الإنجليزي، مطلع سنة 2014، بقيمة مالية لم تتخطًّ 800 ألف يورو، قادما من لوهافر، ليبصم في موسمه الأول على مؤشرات تدل على علو كعبه، حيث أحرز أربعة أهداف وقدم ثلاث تمريرات حاسمة من أصل 32 مباراة خاضها.

"لقد ساعدني كثيرا على الصعيد التكتيكي ومدَّني بالثقة والعديد من المسؤوليات، كنت في حاجة إلى ذلك"، يتحدث محرز عن فضل كلاوديو رانييري، مدربه الإيطالي في تطوير مستواه وقيادته لبلوغ الأوج الكروي، قبل أن يبزغ اللاعب في سماء القارة الأوربية في الموسم الحالي بتسجيله 17 هدفا ومساهمته في اقتراب ليستر من التتويج بالبريمييرليغ.

توج اللاعب البالغ من العمر 25 سنة بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، نظير أدائه المُذهل في معظم المقابلات، مما يجعل إسمه مرتبطا بكبرى الأندية الأوربية، على غرار برشلونة ومانشستر يونايتد، "إنه لاعب موهوب و قادر على اللعب لأندية كبرى مثل برشلونة"، يقول سيسك فابريغاس، نجم نادي تشيلسي، الذي تابع العروض المبهرة لمحرز عن كثب.  

عرض المحتوى حسب: