كرونو

None

شارع روسيا (3) | الطلبة الحمقى يجهلون مونديال 82

محمود ماهر (البطولة / موسكو - روسيا)


في بلداننا العربية، شوارع وميادين باسماء دول ومدن عالمية، جميعها حدث لأسباب سياسية أو دبلوماسية، ولم يحدث في يوم واستغلت دولة عربية واحدة نجاحًا رياضيًا لأحد فرقها لإطلاق اسم شارع أو ميدان على اسم الدولة أو المدينة التي شهدت ذلك الإنجاز، فهل يتحقق هذا الصيف مع أحد الفرق الأربع المشاركة في للمرة الأولى في التاريخ، ونرى شارع لروسيا في مصر أو السعودية أو المغرب أو تونس؟

شارع روسيا.. سلسلة حلقات يومية تأتيكم من عين الحدث، لتغطية أدق تفاصيل كأس العالم 2018 الذي لم يسبق واحتضنته بلاد القياصرة رغم المساهمات الجليلة للاتحاد السوفيتي في تطوير اللعبة من خمسينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي.

الحلقات السابقة:

شارع روسيا (1) | الرجل الذي خان بوتين قبل المونديال

شارع روسيا (2) | جهل الروس والسخرية من مصر والسعودية!


مونديال 82



اتفق عدد من النقاد الكبار على أن كأس العالم 1982 في إسبانيا كان البطولة الأفضل في تاريخ هذه البطولة، باستثناء فريق أو فريقين، وهذا ما سمعته من «ميمي الشربيني وحمادة إمام وعلي محمد علي».


واختلفت التفسيرات حول سبب أفضليته، البعض يرى أن وجود نجوم أمثال مارادونا ورابح مادجر وسقراطس وزيكو وفالكاو وزوف وتارديلي وروسي وبلاتيني ورومينجيه وبريان روبسون وبونياك كان سببًا في ذلك، والبعض الآخر أرجع أفضليته إلى تقارب مستوى معظم الفرق المشاركة باستثناء فريق أو فريقين.


لكن رأي الجيل الصاعد آنذاك كان أكثر أهمية بالنسبة لي من رأي المحللين والنقاد والمعلقين، فاتجهت لسؤال ابن خالتي الذي شاهد البطولة وعمره 14 عامًا.


عندما سألته، ومن شدة عشقه لتلك الحقبة، لمعت عيناه، كان يتحدث بشغف ولهفة عن مونديالي 82 و86، كعاشق من عشاق أم كلثوم يدندن رائعة فات الميعاد “وعايزنا نرجع زي زمان…قول للزمان أرجع يا زمان”.


برر شغفه وقصصه عن مونديال 82 تحديدًا بسبب توقيته، حيث كان في الدراسة، وتلك هي أجمل فترة في حياته، حيث لا مشاكل ولا هموم ولا إلتزامات عائلية أو عملية.


قال “المباريات كانت تُقام في إسبانيا خلال شهر رمضان في فترتي ما بعد الإفطار والسحور، المشاهدة بالنسبة لي كشاب صغير وطالب، كانت من أمتع مما تتخيل، أنا لم أستمتع بأي مونديال، بما في ذلك نسخة 90 رغم مشاركة مصر. عدد المنتخبات المشاركة كان أقل بكثير من المنتخبات المشاركة في الوقت الراهن، بالتالي كان من السَهل على الجمهور التعرف على كل طرق لعب الفرق ومُتابعة أسرار النجوم، وقلة عدد المباريات يُرسخ الذكريات أكثر في الأذهان، فكلما زاد الشيء عن الحد انقلب للضد”.


شغف وحب الأجيال الجديدة والطلبة بكؤوس العالم، دائمًا ما كان له طعم مختلف ومغاير تمامًا لشغف الأجيال الأقدم منهم ممن بدأت هموم الحياة تشغلهم ولا تسمح لهم بمتابعة كل صغيرة وكبيرة.


لن أحدثكم عن تجربتي بتفضيل مونديالي 1994 و1998 ويورو 1996 و2000 والانشغال بأدق تفاصيلهم وبمبارياتهم على حساب امتحانات نهاية العام الدراسي آنذاك، ربما غريزتي الصحفية هي ما كانت توجهني وتدفعني نحو اهمال دروسي، لكن في نفس الفترة كان لي زملاء ليس لهم نفس الميول في تدوين الأحداث وكتابة المقالات، ويتابعون مثلما أتابع، ونتفق على شراء الجرائد معًا في الصباح الباكر الذي يلي انتهاء مباريات مونديال 94 فجرًا.


الطلبة الحمقى



كما اتفقنا، الطلبة هم أكثر شريحة في أي مجتمع تنتظر موعد المونديال، فهو الملاذ للراحة وللترفيه عن النفس، وأكاد أجزم أن معظم الطلبة حول العالم، يتمنون لو سمحت ظروفهم المادية من أجل حضور ولو مباراة واحدة في البطولة التي لا تأتي إلا كل أربع سنوات مرة.


هذا قول بديهي، أي شخص في عصر موضة “السفر والترحال” وفي عصر “الإنستاجرام والفيسبوك” سيُخبرك بغير ذلك، فهو شخص غير طبيعي أو كما يقول خالد سليم “أنت أكيد من عالم تاني”!.


طلاب جامعة موسكو ساروا عكس التيار وخالفوا الواقع وقلبوه رأسًا على عقب مع حلول نهاية الشهر الماضي واقتراب موعد انطلاق مباريات كأس العالم، بتنظيمهم لمسيرة احتجاجية ضد تنظيم عاصمة بلاد القياصرة للبطولة.


وتحججوا بأن اختيار اللجنة المنظمة لأماكن تشييد مناطق المشجعين المعروفة بـ “فان زون” كان خاطئًا، حيث سيُسبب الجمهور ضوضاء وازعاج سيُعيق تركيزهم في الدراسة وسيؤثر بالسلب على مواعيد نومهم.


حجة فيها من مثالية ما يجعلك تكره فكرة الثورات والاحتجاجات والاعتصامات وكل ما له علاقة بالمطالب الفئوية في المجتمع.


وتقول ألكسندرا زابولسكايا، وهي إحدى طلاب التخرج في الجامعة، لرويترز إن المشجعين سيتسببون بالأذى للطبيعة أيضا، مشيرة إلى أن بعض المشاركين في المسيرة حملوا مجموعة من العصي بعد أن كسروا فروع الأشجار التي تم قطعها لتوفير مساحة للبناء.


وحاول نائب رئيس الوزراء الروسي «أركادي دفوركوفيتش» التقليل خلال حديثه لرويترز من ثورة الطلاب، قائلاً “تم اتخاذ خطوات معينة للحد من مستوى الضوضاء التي يتعرض لها الطلاب، وان مجتمع جامعة موسكو الحكومية يرحب بشكل عام بتلك الخطوات”.


في الحقيقة، توقعت أن يقول أركادي “كأس العالم يُقام في نفس البلد التي جئتم للدراسة فيها .. وتخرجون بثورة ضد إقامته هنا.. بدلاً من أن تشكروا الظروف التي وضعته في نفس فترة دراستكم ومنحتكم فرصة ذهبية للتعايش مع جنسيات مختلفة والتفاعل مع أجواء غير عادية لن تصادفكم مرة أخرى”.


ما يجعل الاحتجاج “أحمق” كما وصفته لكم، حرص الحكومة الروسية مع الفيفا منذ نهاية العام الماضي على توزيع مباريات البطولة على أكبر كم ممكن من المدن الروسية، حتى لو لم تكن تلك المدن محببة للحكومة أو جاهزة مثل “إيكاتيرنبرج”.


موسكو ستستضيف 12 مباراة فقط من أصل 64 مباراة، ما يوضح التوزيع الصحيح والمدروس للمباريات على جميع المدن لتفادي حدوث تكدسات مرورية وتجمعات جماهيرية مبالغ فيها في مدينة واحدة، بالتالي تفاقم المشاكل والشكاوى من الطلاب وغير الطلاب من السكان الأصليين.


وحدد الفيفا 7 مباريات لمدينة سان بطرسبيرج غرب البلاد مع الحدود مع فنلندا، و6 مباريات لمدينة سوتشي في الجنوب و6 مباريات لمدينة المسلمين في روسيا “كازان” في الغرب ومثلهم لمدينة سامارا، و4 مباريات فقط لمدينة إكاتيريتبيرج المثيرة للجدل “سياسيًا” بسبب عمدتها المستقيل “يفجيني روزيمان”، وبالمثل لملعب كالينغراد.



على أي حال، ما فعله الطلاب لا يعبر أبدًا عن شغف شعب موسكو بالحدث، ولمست ردة فعلهم الحقيقية والواقعية تجاه المونديال في اللقاء الافتتاحي ليلة أمس الخميس (14 يونيه) حيث اكتظت الميادين وكانت المطاعم والأماكن الترفيهية فارغة تمامًا.


الجميع إلتف حول الشاشة أو حول ملعب لوجنيكي أو حول الشاشات العملاقة في مناطق المشجعين "fan zone" للاحتفال بالنصر العظيم على السعودية بخمسة أهداف دون رد.


وبعد المباراة لم نر أي خروج عن النص أو ازعاج غير طبيعي في الشوارع، على العكس، العديد من المناطق كانت هادئة وساكنة للغاية، والكل مشغول بالاحتفال.



عبد الرحيم وطلال



في السنة الماضية، أثناء كأس القارات، قادتني الصدف للتعرف على صحفي سوداني يُدعى “طلال” يَدرس في جامعة موسكو، ويعمل في نفس الوقت مع أحد المواقع المحلية السودانية.


هذا الشاب المجتهد، استغل وجود مباريات البطولة في موسكو وبطرسبيرج لممارسة المهنة التي يُحبها كصحفي، فقدم على طلب في الفيفا لحضور المباريات.


كنت أقابله في كل مباراة تقريبًا باستثناء مباراة نصف النهائي بين البرتغال وتشيلي التي أقيمت في مدينة كازان بإقليم ترتستان أقصى شرق روسيا، وهناك حكاية أخرى مع طالب وصحفي لبناني اسمه “عبد الرحيم”!.


لا أستطيع أن أصف لكم حجم فرحة “طلال” بوجود حدث كهذا في روسيا، فقد سافر منذ عامين لدراسة الصحافة، فكان يصطحب معه كتبه الدراسية إلى المركز الصحفي الملحق بملعبي سبارتاك موسكو وزينيت، في محاولة للموازنة ما بين الدراسة والعمل وولعه بكرة القدم.


أما عبد الرحيم، الذي يكتب مع صحيفة الأخبار اللبنانية، فلم يترك مباراة في موسكو إلا وحضرها، وحرص على التواجد في كازان رغم مشقة السفر بالقطار المجاني (44 ساعة ذهابًا وإيابًا).


وما أكثر الذين عملوا على الاستفادة من الحدث، وسيعملون على الاستفادة من كأس العالم أيضًا هذا الصيف لتنمية قدراتهم اللغوية، وانصهارهم في المجتمع، والأهم تعزيز واكتساب خبرات جديدة في التعامل مع جنسيات وثقافات من كل مكان.


كأس العالم هو عُرس وكرنفال خاص جدًا، له أجواءه التي تميزه عن أي حدث، ومهما كانت عيوبه، مزاياه ودروسه المُستفادة لا تعد ولا تُحصى، أكثر من أي محفل رياضي آخر، ومَن يتعامل معه بغير ذلك يحتاج لمراجعة كل شيء في حياته..



للتواصل مع الكاتب "محمود ماهر" : m.maher@elbotola.com

وللتواصل عبر تويتر: https://twitter.com/mahmudmaher

وللتواصل عبر انستاجرام: https://www.instagram.com/mahmoud.maheer/

عرض المحتوى حسب: