في فضاء كرة القدم، حيث تتشابك خيوط النجاحات الميدانية مع عمق الرؤية الفكرية، يبرز اسم رشيد الطاوسي كظاهرة متفردة. هو ليس مجرد “مول الحكان” الذي يبني الفرق من الداخل، بل هو أيضًا “الدكتور الباحث” الذي يحمل على عاتقه ثقل المعرفة الأكاديمية. الطاوسي، الذي وُلد في سيدي قاسم في 6 فبراير 1956، يجسد قصة مسيرة كروية لامعة تضاف إليها مكانة علمية رفيعة، تجعله نموذجاً للقائد المدرب الذي لا يرتكن إلى خبرة الملعب فحسب.
مسيرة تدريبية: شواهد تتجاوز الملاعب
الطاوسي، الذي بدأ مساره كلاعب في السبعينيات، تحول إلى مهندس استراتيجيات كروية، مُخليًا مسيرةً حافلة بالإنجازات والتحولات الجذرية:
الميلاد الذهبي لجيل 97: كانت انطلاقته الحقيقية من بوابة المنتخبات الشابة (1995)، حيث قاد منتخب الشبان للتتويج بكأس أفريقيا للشبان عام 1997. هذا اللقب لم يكن مجرد فوز عابر، بل كان الأساس المتين للجيل الذهبي الذي رفع لاحقًا سقف التطلعات في كأس العالم.
بصمات لا تُمحى مع الأندية: المغرب الفاسي (2010-2012): محطة تاريخية قاد فيها “أسود الماص” إلى تحقيق ثنائية مجيدة: كأس العرش 2011 وكأس الكونفيدرالية الإفريقية 2011. إنجاز يُحفر بمداد من ذهب في تاريخ النادي، ويُثبت براعة الطاوسي في بناء فرق تُحول التحدي إلى تتويج.
الجيش الملكي: رفع معه كأس العرب للأندية، مؤكدًا قدرته على تحقيق الألقاب إقليميًا.
كما أشرف على أندية كبيرة مثل الرجاء الرياضي، والفتح الرباطي، ونهضة بركان، تاركاً لمساته السحرية في بناء الانسجام الجماعي.
تجربة الناخب الوطني: تولى مهمة تدريب المنتخب الأول (2012-2013)، حاملًا عبء القميص الوطني والمسؤولية الكبيرة، قبل أن يُساهم في الإدارة التقنية للجامعة الملكية، مُشكّلًا جيلاً جديدًا من المدربين بعيدًا عن الأضواء.
تألق دولي وعودة الفينيق (تنزانيا 2024): بعد قرار إقالته الأخير، الذي وصفه البعض بـ “السريع كالريح”، عاد الطاوسي ليُثبت أن “الرجل لا يُقال بل يُعاد اكتشافه”، ففي تنزانيا مع نادي عزام، حقق سلسلة انتصارات متتالية، وحوّل فريقًا متوسطًا إلى “آلة انتصار”، متوجًا جهده بجائزة أفضل مدرب في الدوري التنزاني لشهر أكتوبر 2024.
الدكتور رشيد الطاوسي: الذكاء الأكاديمي في خدمة التدريب
ما يُميز مسيرة الطاوسي هو جمعه بين النجاح الميداني والتفوق الأكاديمي، وهي المكانة التي تمنحه كوتة “الدكتور والباحث” في مجال الرياضة والقيادة:
الدكتوراه المشرفة: حصل الطاوسي على شهادة الدكتوراه في إدارة الأعمال بـ ميزة “مشرف جداً” من إحدى كليات إدارة الأعمال الفرنسية (كما أشار النص الأصلي إلى جامعة فرنسية في يونيو 2025).أطروحة القيادة القصوى: جاءت أطروحته بعنوان: “خصائص القائد المدرب الأقصى: تحليل سياقي مبني على طريقة السرد القصصي” (Les Caractéristiques du Leader-Coaching Ultime: Une Analyse Contextuelle Fondée sur la Méthode du Storytelling).
القيمة المضافة: هذه الشهادة تضع الطاوسي في مصاف قلة قليلة من المدربين الذين يدمجون بين الخبرة الكروية والتنظير الإداري والقيادي. إنه ينظر إلى قيادة الفرق كـ “قصة حياة” تُبنى فصولها بالتخطيط، والصبر، والذكاء الكروي، وليس مجرد مجموعة تكتيكات جامدة. هذه الخلفية الأكاديمية ترفع من قيمته كـ “خبير” و”محلل” يتجاوز حدود المستطيل الأخضر
الطاوسي… أسطورة الصبر والتجدد.
رشيد الطاوسي هو رمز للصبر والإنسانية في عالم كرة القدم المتسارع. في كل مرة “يُقال” فيها، يعود أقوى وأكثر حكمة وإنسانية، وكأنه طائر الفينيق الذي ينهض من رماد التحدي. هو المدرب الذي يُعامل لاعبيه كأبناء، يُشجعهم على التواضع، ويُعلمهم أن كرة القدم جزء من الحياة، وليس الحياة كلها.
إن مسيرة رشيد الطاوسي تُذكرنا بأن النجاح ليس في الفوز السريع، بل في النهوض المتجدد ومزج الخبرة العملية بالمنهج العلمي. فالدكتور الطاوسي ليس مدرباً قديراً فحسب، بل هو إنسان يُؤمن بأن الكرة تُلعب بالعقل والقلب أولاً.
الملاعب الإفريقية تنتظر عودته، وجماهير وطنه تعلم جيداً أن الأساطير لا تُنهى، بل تُكتب فصولها الجديدة، فهو يرفع العلم المغربي في الخارج كعلم يُثبت أن المدرب المغربي يُبهر العالم.
ذ. زكرياء بنعمر فارس

















